تلك القصص، كأنها كُتبت بقلم رفيع الخط كي لا تضج الكلمات وتعلو أصواتها. ذاك أن ما سيجري عليه ذاك القلم هو صور وأفكار مكثت طويلًا في ذاكرة سعيدة. كأن لا أحداث قاسية جرت في تلك الطفولة. ليس إلا ما استهوته العين من أشياء كان يمكن لذاكرة حانقة أن توصد الباب دونها، بل وأن لا تلاحظها حتى. نقرأ تلك العناوين التي أعطيت للقصص: «أب حزين» مثلًا، أو «عبَّادة الشمس» أو «يوم طه» أو «المستأجر» أو «الشخير»… لنستدل على أن ما سلَّم به كاتبنا هو أن تتولى طفولته اختيار ما ينبغي أن يُكتب.
هذه المرة، مع هذا الكتاب، نقرأ القصص وهي تُروى شعرًا. أعني بذلك الوقع والإحساس الشعريين المستمرين إلى خاتمة كل من القصص. بل إنني، وفيما كنت أنتهي من قراءة كل قصة، كنت أحاول أن أنقل مشهدًا منها أو صورة، أو حوارًا جرى فيها، إلى مشهد تمثيلي أو إلى لوحة فنية. لن يكون هذا شاقًا، كنت أفكر، إذ كنت أرى اللوحة أمامي حاملة الألوان التي أوحى بها النص. بذلك أكون كأني أقترح دعوة آخرين إلى مشاهدة ما يُقرأ، أو يحضر موقفًا بين اثنين يتحاوران أمامي، بكلمات قليلة طبعًا.
«قصص بحجم حبة كرز» كتاب جميل، مؤنس وممتع. هكذا هي عادة الكلام عن الماضي حين يُكتب كما يُتذكر حقيقيًا وشعريًا، أي حين لا يُكتب لأجل أن يقول ما يتعدّى عالمه القليل.
حسن داوود
عن المؤلف
علي جازو شاعر كردي سوري من مواليد عامودا 1975. درس الحقوق في جامعة دمشق، وعمل كاتبًا ومحررًا في الصحافة الثقافية والنقد الفني في سوريا ولبنان. صدرت له عدة مجموعات شعرية، منها «الغروب الكبير» العام 2004 ، و«ابتهالات» العام 2018.