النهضة المجهضة

12,00 

Nur noch 2 vorrätig

على مدى قرنين كان الوطن العربي في مخاض فكري هائل، حيث فتح الاصطدام بأوروبا على مفارقة كبيرة تمثلت في انتقال العالم إلى مرحلة أخرى لم يكن الوعي السائد في الوطن العربي يستوعب أبعادها. فقد كان “الفكر” هو مجرد ثقافة “شعبية”، “عامية”، تتأسس على المعرفة بالنص القرآني، وببعض قواعد اللغة العربية، وكثير من الأساطير التي كانت تربط بالدين. تدرس من خلال “الكتاتيب” التي هي ملحقة بالجامع، ويمارسها الشيوخ الذين لا يمتلكون من المعرفة أكثر مما يدرسون في الغالب.
أما أوروبا فقد كانت في عالم آخر، حيث تطورت العلوم، وانتشر الفكر بمعناه الحديث، وأصبح التعليم متطوراً يشمل مختلف العلوم الطبيعية والإنسانية. وكان هذا الوضع قد أوصل إلى نشوء الصناعة التي أدت إلى انقلاب هائل في مسار التاريخ البشري، من حيث الدفع بالعلم خطوات أخرى إلى الأمام، وفي السعي لتكوين دولة ومؤسسات لها طابع جديد ينطلق من إرادة البشر في صنع تاريخهم، ولتصبح الدولة هي المعنية بالعلم وتطوير نظام التعليم لتعميمه على كل المجتمع. لكن الأهم هو أن الصناعة جلبت فيضاً من الإنتاج الضروري للبشر، والذي يبحث عن أسواق يحل فيها. كما أدت إلى تطور هائل في الحرب عبر تطوير أدواتها، مما شكل للدول الأوروبية جيوشاً قاهرة.
هذه المفارقة هي التي أسست لكل المخاض الفكري الذي بدأ مع بعثات محمد علي باشا التعليمية إلى أوروبا ولم تتوقف بعدئذ. وكان من الطبيعي أن يكون الصراع الذي نشأ هو صراع بين الوعي التقليدي الذي مثّل أيديولوجية متوارثة منذ انهيار الإمبراطورية العربية، والتي كانت نتاج هذا الانهيار مما وسمها بـ”العامية” والأسطورية وخلطها بالشعوذة، كما حصرها في مستوى ضيق يتعلق كما اشرنا بالنص القرآني واللغة العربية (والحساب)، وأبقاها محملة بـ”قيم” عصر الانهيار. وبين الفكر الحداثي الذي بدأ في التغلغل رويداً رويداً، بعد الانفتاح على أوروبا، ليس مع تجربة محمد علي باشا فقط بل وعبر التواصل الشامي الذي نشأ على ضوء التواصل التجاري، والمغاربي بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر. هذا الفكر الذي حمل قيماً وأفكار جديدة بدت غريبة عما هو سائد، بل ومناقضة له، وتمس بعضاً من “مقدساته”.

Gewicht 357 g
Größe 21 × 14 cm

Beschreibung

على مدى قرنين كان الوطن العربي في مخاض فكري هائل، حيث فتح الاصطدام بأوروبا على مفارقة كبيرة تمثلت في انتقال العالم إلى مرحلة أخرى لم يكن الوعي السائد في الوطن العربي يستوعب أبعادها. فقد كان “الفكر” هو مجرد ثقافة “شعبية”، “عامية”، تتأسس على المعرفة بالنص القرآني، وببعض قواعد اللغة العربية، وكثير من الأساطير التي كانت تربط بالدين. تدرس من خلال “الكتاتيب” التي هي ملحقة بالجامع، ويمارسها الشيوخ الذين لا يمتلكون من المعرفة أكثر مما يدرسون في الغالب.
أما أوروبا فقد كانت في عالم آخر، حيث تطورت العلوم، وانتشر الفكر بمعناه الحديث، وأصبح التعليم متطوراً يشمل مختلف العلوم الطبيعية والإنسانية. وكان هذا الوضع قد أوصل إلى نشوء الصناعة التي أدت إلى انقلاب هائل في مسار التاريخ البشري، من حيث الدفع بالعلم خطوات أخرى إلى الأمام، وفي السعي لتكوين دولة ومؤسسات لها طابع جديد ينطلق من إرادة البشر في صنع تاريخهم، ولتصبح الدولة هي المعنية بالعلم وتطوير نظام التعليم لتعميمه على كل المجتمع. لكن الأهم هو أن الصناعة جلبت فيضاً من الإنتاج الضروري للبشر، والذي يبحث عن أسواق يحل فيها. كما أدت إلى تطور هائل في الحرب عبر تطوير أدواتها، مما شكل للدول الأوروبية جيوشاً قاهرة.
هذه المفارقة هي التي أسست لكل المخاض الفكري الذي بدأ مع بعثات محمد علي باشا التعليمية إلى أوروبا ولم تتوقف بعدئذ. وكان من الطبيعي أن يكون الصراع الذي نشأ هو صراع بين الوعي التقليدي الذي مثّل أيديولوجية متوارثة منذ انهيار الإمبراطورية العربية، والتي كانت نتاج هذا الانهيار مما وسمها بـ”العامية” والأسطورية وخلطها بالشعوذة، كما حصرها في مستوى ضيق يتعلق كما اشرنا بالنص القرآني واللغة العربية (والحساب)، وأبقاها محملة بـ”قيم” عصر الانهيار. وبين الفكر الحداثي الذي بدأ في التغلغل رويداً رويداً، بعد الانفتاح على أوروبا، ليس مع تجربة محمد علي باشا فقط بل وعبر التواصل الشامي الذي نشأ على ضوء التواصل التجاري، والمغاربي بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر. هذا الفكر الذي حمل قيماً وأفكار جديدة بدت غريبة عما هو سائد، بل ومناقضة له، وتمس بعضاً من “مقدساته”.

Zusätzliche Informationen

Gewicht 357 g
Größe 21 × 14 cm