ثم يعود المهرج إلى مرآته في نهاية اليوم، أعود إلى غرفتي المغلقة على وحدتي العارية، ربما تمسني كهرباء خفيفة للحظات عابرة، بينما أخلع ثيابي، وأتأهب للنوم قرب الفجر، فأشعر وكأنني صرت ماما نفسها، وهى تنزع عنها إكسسوار إحدى شخصياتها. لم أكن هاتوشكا في الحقيقة، كان هذا هو الدور المناسب لي، مجرد دور، لا أكثر ولا أقل. ربما اندمجت فيه أكثر مما يجب، حتى لم أعد أعرف من هو هاني محفوظ الحقيقي، وكيف أعود إليه عندما أريد. عندي نسخ كثيرة منه. صحيح؛ كلها طبق الأصل، لكنها ليست الأصل، ليست أنا، كلها أقنعة وخلفها لا يوجد أي شيء، فراغ مفرغ، وله لذة.
بعد بضعة شهور في السجن، يخرج هاني محفوظ مصابًا بخرس طارئ، ليجد صوته الجديد بين دفاتره، حيث يكتب كل يوم، فارضًا على نفسه عزلة اختيارية بغرفة فندق، لا يشاركه إياها غير عنكبوت صغير، يكتب متتبعاً صوره القديمة، على أمل العثور على صورة واحدة حقيقية له، يكتب حكاياته الصغيرة مع أهله وميوله الخاصة والأفراح الخاسرة في شوارع الليل، وأيضًا عن تجربته المذلة خلال أشهر سجنه، منقباً عن مغزى خفي، وراء كل ذلك الركام، في رحلة لا تتبع خطاً مستقيماً، بقدر ما تأخذه في اتجاهات عديدة، كأنها شبكة عنكبوت يغزلها بخيط واحد هو صوته المفقود، خيط يمتد من نفسه إلى الآخرين، من حاضر إلى ماضيه، ومن أوهام الحب الصبيانية إلى كابوس الوحشة والأذى