في “تلك العتمة الباهرة” يجري الطاهر بن جلّون محاكمة روائية للنظام السياسي العربي، ويفكك في روايته الكثير من آليات القمع السياسي والإجتماعي في بلاده، وهو يفعل ذلك من خلال أحداث واقعية مستلهمة من شهادة أحد معتقلي سجن “تزمامارت” الذي أمضى عشرين عاماً في هذا المعتقل.
تحكي الرواية أحداثاً واقعية على لسان السجين (عزيز) الشخصية الرئيسية في العمل، وأخرى مكملة. هم مجموعة من العسكريين الذين تورطوا أو اتهموا بتنفيذ محاولة إنقلاب الصخيرات على الملك السحن الثاني في عام 1971.
قام أحد القادة العسكريين الكبار باقتياد السجناء نحو قصر الصخيرات الملكي، رغم أن المعلومة التي خرجوا من أجلها من أجل المشاركة في مناورة عسكرية فقط، وكان ذلك في 10 يوليو 1971م. عزيز لم يطلق رصاصة واحدة في العملية، لأنه لم يكن يفهم ماذا يجري ولأن والده كان صديق الملك الشخصي، حيث كان في بلاطه، ينكر الوالد إبنه فيما بعد ويتبرأ منه ولم يسعَ إلى إطلاق سراحه.
عزيز كان واقعاً تحت هول الصدمة وهو في القصر والجثث تتناثر من حوله، وعلى الأثر تم القبض على مخططي ومنفذي العملية الإنقلابية، ثم أودعوا سجن تازمامارت الذي تم فتحه للمعتقلين وهو مدفون في الرمل كما يصفه الراوي: “كان القبر زنزانة يبغ طولها ثلاثة أمتار وعرضها متر ونصف، أما سقفها فوطىء جداً يتراوح ارتفاعه بين مائة وخمسين ومائة وستين سنتميترات، ولم يكن بإمكاني أن أقف فيها …”.
وهكذا يروي الطاهر بنجلون الحقيقة والواقع، ويقدم مشاهداً عن تحكم رجال السلطة والأجهزة الأمنية بكل مفاصل الحياة، حيث يتحول الخوف من السلطة ورجالها إلى حالة مرضية تقيم داخل السجناء ويكون عليهم دفع أثمان باهظة للشفاء من هذه الحالة “عندما أفرج عنه، تم نقله إلى مصحة للنقاهة ريثما تزول عنه آثار الجروح والضعف. رأى عزيز وجهه في المرآة في غرفة طبيب الأسنان العسكري بعد خروجه من المعتقل، حيث لم يكن قبلها قد شاهد ملامح وجهه منذ ثماني عشرة سنة، وكيف كان يصف تلك اللحظات المرعبة التي أخذ فيها يحدق في تجاعيد وجهه، وعيناه الجاحظتان وملامحه”.