أرواح هندسية

9,00 

In stock

أنحن مرئيون؟ إشّكالٌ محض فها نحن نوغل في الأزقة من دون أن يلتفت إلينا أحد قط، وكانت خالية تلك ‏الأزقة بعض الشيء، لكن نعت مارّة مهرولين، بين حين وآخر، وكلّما تقدمنا فيها تكشَّف لنا أنها تفضي إلى ‏طرق أوسع، وتُفضي البيوت الوطيئة، التي تزدهر فناءاتها بهياكل سيارات رثة، وإطارات المطاط، إلى بيوت ‏أكثر علواً، تزدهر فناءاتها ببعض الشجر، وبآلات أقل رثاثة، وتفضي هذه بدورها، إلى عمارات عالية، ‏وأخرى شاهقة، تنتصب فوقها أدغال من هوائيات التلفاز المعدنية.‏ ‎

‎ أوغلنا كثيراً على ما نعتقد، حتى استوقفتنا عمارةً بالمشهد الذي كان يجري أمامها، رجلان بقناعين، يمسكان ‏بقضبان حديدية، بصهرانها بوساطة نافورة من اللهب الأزرق، فهما كانا يلحمان بوابة، أجزاء إلى أجزاء، ‏وكانا يستوقفان كل داخل ليعيطاه مفتاحاً، والواضح أنهما إنما عمداً إلى إغلاق مدخل العمارة ببوابة معدنية ‏إسرافاً، ربما، في ابتغاء الأمان، لأنهما كان يسترسلان في الإشارات، كلّما أعطيا شخصاً مفتاحه، مباعِدَيْن بين ‏أذرعهما، ناظرين إلى الأعلى، وإلى الأسفل، كأنما يقيسان المدخلَ شبراً شبراً، ويحذّران من الشرّ المُنْتَظر إذا ‏لم تُثَّبتْ عوارض هنا، وعوارض هناك.‏ ‎

‎ وكانا في أثناء هذا كله، يهرولان إلى الداخل، محتمين بالجدار الذي يجاور الدرج، كلما سمعا صوتاً يشبه ‏صوت الطبل في كهف، أجوفَ مُخَشخِشاً، ثم، يرجعان، في حذر غير واضح، إلى إكمال عملهما، وهما يرفعان ‏سيقان بنطاليهما، من الركبة إلى ما فوقها، بحركة آلية يحفظان بها مرونة انحناء السيفان إذا قَرْفَصَا.‏ ‎

‎ شاعر وروائي سوري، كردي، قويُّ البناء، فريدٌ، نسيج وحده في وصف النقد لأعماله، يُحسَبُ له أنه نَحَا ‏بالرواية العربية إلى ثراء في خيالها، وجعل اللغة في صياغة موضوعاتها لحماً على هيكل السرد والقصِّ لا ‏ينفصل عن جسدها، حتى كأنَّ اللغة لم تَعُدُ وساطةً إلى السرد، بل هي السرد لا تنفصل عن سياق بناء الحكاية.‏

ويحسَب له في الشعر أنه أبُ نفسه، مكَّنَ القصيدة من إستعادة خواصها كحرية تعبير في أقصى ممكناتها.

ما من امتثال عنده لنمط أو مذهب، عنيد في نحته العبارةَ بلا خوف من المجازفات، وكل كتاب له، في الشعر ‏والرواية، موسوعةٌ مختصرة.‏

‎ بركات من مواليد مدينة القامشلي، في الشمال السوري سنة 1951، انتقل إلى دمشق ملتحقاً بالجامعة دارساً ‏للغة العربية سنة واحدة، قبل أن يغادر إلى بيروت في العام 1972، ومنها إلى قبرص سنة 1982، ثم إلى ‏السويد في العام 1999 حيث يقيم.

Weight 240 g

Description

أنحن مرئيون؟ إشّكالٌ محض فها نحن نوغل في الأزقة من دون أن يلتفت إلينا أحد قط، وكانت خالية تلك ‏الأزقة بعض الشيء، لكن نعت مارّة مهرولين، بين حين وآخر، وكلّما تقدمنا فيها تكشَّف لنا أنها تفضي إلى ‏طرق أوسع، وتُفضي البيوت الوطيئة، التي تزدهر فناءاتها بهياكل سيارات رثة، وإطارات المطاط، إلى بيوت ‏أكثر علواً، تزدهر فناءاتها ببعض الشجر، وبآلات أقل رثاثة، وتفضي هذه بدورها، إلى عمارات عالية، ‏وأخرى شاهقة، تنتصب فوقها أدغال من هوائيات التلفاز المعدنية.‏ ‎

‎ أوغلنا كثيراً على ما نعتقد، حتى استوقفتنا عمارةً بالمشهد الذي كان يجري أمامها، رجلان بقناعين، يمسكان ‏بقضبان حديدية، بصهرانها بوساطة نافورة من اللهب الأزرق، فهما كانا يلحمان بوابة، أجزاء إلى أجزاء، ‏وكانا يستوقفان كل داخل ليعيطاه مفتاحاً، والواضح أنهما إنما عمداً إلى إغلاق مدخل العمارة ببوابة معدنية ‏إسرافاً، ربما، في ابتغاء الأمان، لأنهما كان يسترسلان في الإشارات، كلّما أعطيا شخصاً مفتاحه، مباعِدَيْن بين ‏أذرعهما، ناظرين إلى الأعلى، وإلى الأسفل، كأنما يقيسان المدخلَ شبراً شبراً، ويحذّران من الشرّ المُنْتَظر إذا ‏لم تُثَّبتْ عوارض هنا، وعوارض هناك.‏ ‎

‎ وكانا في أثناء هذا كله، يهرولان إلى الداخل، محتمين بالجدار الذي يجاور الدرج، كلما سمعا صوتاً يشبه ‏صوت الطبل في كهف، أجوفَ مُخَشخِشاً، ثم، يرجعان، في حذر غير واضح، إلى إكمال عملهما، وهما يرفعان ‏سيقان بنطاليهما، من الركبة إلى ما فوقها، بحركة آلية يحفظان بها مرونة انحناء السيفان إذا قَرْفَصَا.‏ ‎

‎ شاعر وروائي سوري، كردي، قويُّ البناء، فريدٌ، نسيج وحده في وصف النقد لأعماله، يُحسَبُ له أنه نَحَا ‏بالرواية العربية إلى ثراء في خيالها، وجعل اللغة في صياغة موضوعاتها لحماً على هيكل السرد والقصِّ لا ‏ينفصل عن جسدها، حتى كأنَّ اللغة لم تَعُدُ وساطةً إلى السرد، بل هي السرد لا تنفصل عن سياق بناء الحكاية.‏

ويحسَب له في الشعر أنه أبُ نفسه، مكَّنَ القصيدة من إستعادة خواصها كحرية تعبير في أقصى ممكناتها.

ما من امتثال عنده لنمط أو مذهب، عنيد في نحته العبارةَ بلا خوف من المجازفات، وكل كتاب له، في الشعر ‏والرواية، موسوعةٌ مختصرة.‏

‎ بركات من مواليد مدينة القامشلي، في الشمال السوري سنة 1951، انتقل إلى دمشق ملتحقاً بالجامعة دارساً ‏للغة العربية سنة واحدة، قبل أن يغادر إلى بيروت في العام 1972، ومنها إلى قبرص سنة 1982، ثم إلى ‏السويد في العام 1999 حيث يقيم.

Additional information

Weight 240 g