الوصف
من خلال توظيف المفهوم الخلدوني عن النشأة المستأنفة، بمعنى القطيعة والإستمرارية معاً، يسلط هذا الكتاب ضوءاً باهراً على عملية إعادة تأسيس الإسلام القرآني في إسلام حديثي، طرداً مع التحوّل من إسلام الرسالة إلى إسلام التاريخ، ومن إسلام “أم القرى” إلى إسلام الفتوحات.
والخطورة لا تكمن فقط في هذه النقلة في المرجعية من القرآن إلى الحديث، بل أيضاً في تحوّل المكلّف في الإسلام إلى ما يشبه الإنسان الآلي الذي لا يتحرّك إلا بالنصوص التي تتحكم بشؤون حياته العامة والخاصة؛ فمع فرضية الشافعي القائلة بأن الرسول لا ينطق إلا عن وحي حتى عندما لا ينطق بالقرآن، أُنزلت الأحاديث التي وُضعت على لسان الرسول بعد وفاته منزلة الوحي، وتوافق أهل الحديث والفقه على إعتبار السنّة، كالقرآن، تشريعاً إلهياً متعالياً، ككل ما هو إلهي ومتعالٍ، تحرّرت السنّة وأحكامها من شروط المكان والزمان.
وهذا ما حكم على العقل العربي الإسلامي بالإنكفاء على نفسه وبالمراوحة في مكانه في تكرار لا نهاية له؛ وهذا أيضاً ما سدّ عليه الطريق إلى إكتشاف مفهوم التطوّر وجدلية التقدّم وما يستتبعانه من تغيّر في الأحكام الوضعية ذات المصدر البشري لا الإلهي؛ وهذا ما أسّسه أخيراً في ممانعة للحداثة تنذر في يومنا هذا بالتحوّل إلى ردّة نحو قرون وسطى جديدة.